بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فردًا على السؤال الوارد من سيادتكم بخصوص (صناعة المجسمات) من الكريستال، أفيد بالآتى:
لا مانع شرعًا من صناعتها وبيعها، حيث إنها تصنع لمجرد الزينة والديكور وليس للعبادة من دون الله.
وأما النهى الوارد فى الشرع فهو متعلق بما كان يستخدم فى العبادة من دون الله تعالى.
ولتوضيح ذلك أقول:
إن الشيطان وسوس للناس قديمًا من قبل زمن سيدنا نوح عليه السلام ليعبدوا تماثيل قد صنعها لبعض رجالهم، فأرسل الله نبيه سيدنا نوحًا عليه السلام لينهاهم عن ذلك، فلما أصروا على كفرهم أغرقهم الله تعالى بالطوفان.
ومن بعده أغوى أقوامًا آخرين، فعادوا لعبادة الأصنام، وتبادلتها الأمم فيما بينها حتى عمّ الكفر والضلال، وربنا سبحانه وتعالى يرسل إليهم الأنبياء لهدايتهم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر.
حتى بعث الله سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم، بالهدى ودين الحق، فنهى عن عبادة الأصنام، وأمر الناس بعبادة الله وحده.
وبعد فتح مكة هدمت الأصنام، حيث دخل النبى صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام فاتحًا منتصرًا، وفى يده قضيب يشير به إلى الأصنام التى وضعوها حول الكعبة المشرفة فكانت تنكفئ ساقطة، حتى طهر المسجد الحرام من رجس الأوثان، ثم أرسل إلى الأصنام البعيدة من يهدمها فى قومها، كما وقع من هدم العزى ومناة وسواع، وكانت مختلفة الأشكال، فمنها ما كان على شكل تمثال مصور لإنسان، ومنها ما كان على صورة بناء مربع، ولها خزانة يضعون فيها ما يهدى إليها مما يقدمونه لها من القرابين.
ولقد كان العرب يصنعون أصنامهم من الحجارة، وأحيانًا من الخشب ويسمونها الأوثان، وعندما كان أحدهم يريد السفر كان يصحب معه صنمًا صغيرًا، فإن لم يجد أخذ حجرًا، فإذا وجد حجرًا أجمل منه ألقى الأول وصحب غيره، فإن وجد غيره أجمل منه ألقى الثانى وأخذ ثالثًا، وهكذا، فإن لم يجد حجرًا يعجبه جمع الرمال وحلب شاته وسطها، ثم سجد لها من دون الله، وورد أن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يصنعها من العجوة، فإذا جاع أكلها.
ولذلك نهى الإسلام عن صناعة التماثيل وعن بيعها؛ لأن وجودها يذكر الناس بعبادة الأصنام، ويشجعهم على ذلك، وعلى ذلك ورد الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة " رواه البخارى ومسلم.
ومن القواعد المقررة فى الفقه الإسلامى أن العلة تدور مع المعلول وجودًا وعدمًا، بمعنى أن النهى إذا كان لعلة، فإن انتفاء العلة يؤدى إلى الجواز.
ولذلك لما دخل المسلمون مصر فاتحين ووجدوا فيها التماثيل والآثار المصرية القديمة فى المعابد المنتشرة فى طول البلاد وعرضها، لم يهدموها، لانتفاء العلة، حيث إن المصريين لم يكونوا يعبدونها من دون الله.
ولقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز صناعة التماثيل التى لا تشتمل على جزء لا تقوم الحياة بدونه، كصناعة الرأس فقط، أو صناعة الجسم دون رأس، ونحو ذلك.
كما يرى البعض اختلاف أجزائه لعدم مشابهته بالحقيقة، وعدم التجانس بين مادة صناعته، كأن يصنع بعضه من معدن وبعضه من خشب مثلا.
ولكن لا داعى لكل هذا حيث إنه من باب اللعب، أو الشكل الجمالى فقط، كما أن صحابة النبى صلى الله عليه وسلم أبقوا على آثار مصر وهى مصنوعة من مادة واحدة دون اختلاط بين المواد، كما أنها كانت مجسمات كاملة.
مع التنبيه على أن صناعة المجسمات وبيعها لمن نعلم على جهة اليقين أنهم يعبدونها من دون الله فهو حرام.
والله تعالى أعلى وأعلم
محمـد عبـد العـال الـدومـى
إمام وخطيب ومدرس مسجد مصطفى محمود
مدير مركز المدونة للبحوث والاستشارات والتدريب
13 من رمضان 1445هـ / 23 من مارس 2024م
Created with GoDaddy Arabic Website Builder